الأسواق تكشر عن أنيابها.. الغلاء يعض الجميع.. المواطنون في حالة سخطهم يرددون السؤال: هل يسهم التغيير في تحصيل حياة يسودها الرخاء؟
الخرطوم- نازك شمام
حالة السخط العامة التي تسود الشارع السوداني جراء ارتفاع الأسعار تجعل الآمال معقودة بشدة على الطاقم الاقتصادي القادم في حل المعضلة المعيشية التي يعيشها المواطن، يوما بعد يوم تكشر الأسواق عن أنيابها وترتفع الأسعار بصورة متواترة، تجعل من الهم المعيشي أرقاً في حياة المواطن وحينها ترتفع التساؤلات: هل سيسهم التغيير وتسفر نتائجه عن حياة رخية توفر فيها الأساسيات وتجعل قفة الملاح أمرا ميسورا للقادرين ولغيرهم أم هنالك سنوات عجاف في الانتظار؟ وتأتي الاجابات مبتورة: ماذا سيفعل الطاقم الاقتصادي الجديد من أجل استقرار الاقتصاد ونمائه؟ أم ستعود القصة إلى مربعها الأول بالاعتماد على المنح والمعونات؟ وحينها لن يكون أبو زيد قد غزا في معركته المستمره.
في أول لقاءاته الإعلامية جاء حديث رئيس الوزراء السوداني للمرحلة الانتقالية، د. عبد الله حمدوك، قويا بشأن الاقتصاد، فالرجل ذو الخلفيات الاقتصادية يعرف من أين تؤكل الكتف فقد مارس الاقتصاد خبرة ودراسات في المؤسسات المعنية بتطوير ونماء القارة الأفريقية لذا فهو يعرف الدروب ومن أين سيبدأ العمل فجاءت تصريحاته كما تشتهي العقول، ربما لأنها مختلفة فالرجل لم يعدنا بتحويل السودان إلى جنة بين ليلة وضحاها فالطريق طويل والمعضلات عديدة لذا فالسنوات القادمة ستحمل من الهم ما تحمل لذا فإن هنالك عددا من الطرق لتصحيح مسار الاقتصادي ولعل أول ما يتبادر إلى الأذهان يتمثل في رفع الدعم عن السلع الاستراتيجية وهو ما يتخوف منه الشارع السوداني للآثار العميقة التي يتركها العلاج.
حمدوك الذي أكد في لقائه التلفزيوني على وجود مخاوف من الشارع السوداني بشأن رفع الدعم عن السلع أضاف قائلاً: “لا مخاوف من روشتة البنك الدولى”، مشيرا إلى مخاوف البعض برفع الدعم واتباع مزيد من الخصخصة. وبالعودة إلى مذكرات صندوق النقد الدولي نجد أنها توصي برفع الدعم عن السلع وآخرها في العام 2017 واستمرارا للمساعدات الفنية المقدمة من صندوق النقد الدولي طالب، في تقرير له، السودان بتحرير أسعار صرف العملة المحلية بالكامل في مطلع عام 2018، وبإلغاء دعم الكهرباء والقمح بين عامي 2019 و2021؛ كخطوات أولية نحو تحقيق إصلاحات اقتصادية تساهم في تعزيز اقتصاد البلاد وتخفيض فاتورة الدين العام. إلا أن حمدوك يشير قائلا: “لايوجد خبير مهما كان يعرف مشاكلنا أكثر منا وسنعمل على وصفة تُناسب أوضاعنا ليتماشي صندوق النقد الدولي مع رؤيتنا”، وأشار إلى أنه يمكن الاستفادة من تجارب عدد من الدول الأفريقية.
وتشمل السلع المدعومة المحروقات (البنزين، الجازولين وغاز الطبخ) بالإضافة إلى القمح والأدوية، وبحسب إحصائيات حكومية سابقة فإن قيمة الدعم على المحروقات بجميع مشتقاتها يصل إلى 2.250 مليار دولار سنويا فيما يصل الدعم للقمح 365 مليون دولار سنويا ويؤكد وزراء المالية الذين تعاقبوا في حكومة البشير السابقة على أن الدعم تستفيد منه شريحة الأغنياء من خلال شراء المواد الدعومة بأسعار زهيدة وفي الوقت نفسه يعمل الدعم الحكومي على إفقار الفقراء.
حال اتخاذ حكومة حمدوك خطوة رفع الدعم فلن تكون هي الخطوة الأولى على مدى الثلاثين عاما السابقة فقد سبقتها خطوات وكانت أولى الخطوات في العام 2011 حيث أعلنت وزارة المالية عن إجراءات طارئة شملت رفعا تدريجيا للدعم عن المشتقات النفطية علاوة على تحرير سلعة السكر وتخفيض الإنفاق الحكومي على خلفية قرار انفصال الجنوب وذهاب أكثر من 75 % من عائدات النفط. ونفذت الحكومة السودانية قرارا آخر برفع الدعم عن المشتقات النفطية في سبتمبر 2013 كان الأقوى تأثيرا في اندلاع مظاهرات ضد نظام البشير سقط خلالها أكثر من 200 قتيل وفقا لإحصائيات قامت بها المعارضة فيما لم تتجاوز إحصائيات الحكومة السودانية 86 قتيلا في الخرطوم ومدن أخرى. وفي العام 2016 نفذت الحكومة السودانية رفع دعم عن الوقود والكهرباء والأدوية مع حظر استيراد عدد من السلع وتعويم سعر الصرف وخفض للإنفاق الحكومي بنسبة 10 %. وبلغت الزيادة وقتها في أسعار البنزين والجازولين نسبة 32 % من السعر القديم حيث بلغ سعر لتر البنزين 6.17 جنيه بدلا عن ب (4.67) جنيه فيما بلغ سعر لتر الجازولين 4.11 جنيه بدلا عن 3.11 جنيه فيما بلغت الزيادة في أسعار الكهرباء 100 %.
نادر الهلالي، الأمين العام لشعبة مصدري الصمغ العربي يرى أن العجز في ميزان المدفوعات يصل إلى 4 مليارات دولار حيث تصل واردات السودان إلى نحو 9 مليارات دولار بينما لا تتعدى الصادرات 5 مليارات دولار. مؤكدا إمكانية تخفيض هذا العجز إلى نحو مليار دولار حال قيام حكومة حمدوك برفع الدعم عن المحروقات التي يصل الدعم فيها إلى ملياري دولار بجانب ان الدعم على القمح يسجل 365 مليون دولار، وأشار إلى أن رفع الدعم عن هذه السلع سيعمل على الحد من تهريبها إلى دول الجوار عقب ارتفاع أسعارها كما سيعمل على تقليل استهلاكها في الداخل .
إلا أن الهلالي أكد لـ(اليوم التالي) أن اتخاذ قرار رفع الدعم يحتاج إلى جرأة وشجاعة في ظل الظروف الآنية التي يشهدها السودان. وقال إن “قرار رفع الدعم يحتاج لدراسة وافية حول مدى تأثير مثل هذا القرار على الشرائح الضعيفة وذوي الدخل المحدود ويحتاج إلى حملة إعلامية ضخمة لتسويق مشروع رفع الدعم عبر الأجهزة الإعلامية المختلفة ووسائط التواصل ”
فيما يؤكد المحلل الاقتصادي، عادل عبد العزيز، حاجة هيكلة الدعم أو إعادة توجيه الدعم إلى تحديد الفقراء مستحقي الدعم وتخصيص دعم مالي مباشر لهم. ومن بعد ذلك يرفع الدعم بصورة كلية وأشار إلى إحصائيات حكومية تشير إلى أن الدعم المالي المباشر للفقراء لن تتجاوز كلفته 100 مليون دولار .
في المقابل يرفض الخبير الاقتصادي، محمد الناير، الإقبال على رفع الدعم عن السلع في المرحلة المقبلة مبينا أن السياسة تحتاج إلى عدة عوامل لكي تنجح، وحذر من مغبة استمرار ارتفاع أسعار السلع حال قيام حكومة حمدوك بتنفيذ سياسة الدعم خلال المرحلة المقبلة وسط تدني أجور العاملين بالدولة واستمرار نسبة البطالة التي تقدر ب 19 %. وأرجع الناير ارتفاع أسعار السلع إلى التطبيق الخاطئ لسياسة التحرير الاقتصادي التي طبقتها الحكومة السودانية في مطلع تسعينيات القرن الماضي. وأشار إلى أن تطبيق سياسة التحرير خلق حالة من فوضى الأسعار بالأسواق السودانية وتدخل الوسطاء لرفع أسعار السلع للمستهلك. ونوه الناير إلى وجود عدد من العوامل الأخرى المتسببة في رفع الأسعار والتي تشمل الهبوط المستمر للعملة الوطنية أمام العملات الأجنبية وعدم الاهتمام بالمخزون الاستراتيجي للسلع الاستراتيجية. وتوقع الناير أن تعمل سياسة رفع الدعم حال تطبيقها على ارتفاع مستوى الأسعار بشكل أكبر مما هي عليه الآن مما يتسبب في ظهور كوارث اجتماعية.
ليست هناك تعليقات